"سوبرمان، و زورو" لماذا يثيرون الإعجاب لدى أطفالنا؟.. لأنهم يحبون البطولة وتعجبهم الشجاعة؛ نراهم دومًا مفتونين بنجومها في أفلام الكرتون أمثال هؤلاء..!
ولكن المربي الذكي يعز عليه ذلك، إذ كيف ينبهر أبناؤه بل وأبناء المسلمين بأبطال من صنع الخيال يأخذون الأطفال إلى عالم وهمي من القفزات والأذرع الآلية التي تتمدد من أيديهم.
فضلًا عما تغرسه فيهم هذه المواد من العصبية و العدوانية والحمية المقيتة.
لذلك قال الأب لأبنائه وقد قرر أن يعلمهم خلق الشجاعة بطريقة صحيحة: إن هؤلاء أبطال غير حقيقيين،فهل أحدثكم عن أبطال حقيقيين وفي مثل عمركم كانوا مثالًا رائعًا للشجاعة؟
أجابوا جميعًا وبلهفة: نعم..نعم يا أبي وبسرعة..!
فظل يحكي لهم كل يوم قصة قبل النوم من قصص أبطال المسلمين من الأطفال.
وبدأ بقصة "علي بن أبي طالب – رضي الله عنه-" الذي نام في فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة وهو ابن عشر سنين متوقعًا القتل في أي لحظة، مستهينًا به كي يفدي رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه..!
أهمية التربية على الشجاعة:
عزيزي المربي...تعنى الشجاعة عند أهل اللغة: الجرأة والإقدام.
قال صاحب لسان العرب:
قوة القلب عند البأس يعني عند الشدائد والخطوب وازدحام الكروب.
والشجاعة في معانيها المادية والمعنوية من أهم القيم والصفات التي يحرص المربي على تنشئة أبنائه عليها. فهي تمثل قيمة إنسانية راقية تمثل استخداما للقوة النفسية والمادية في الاتجاه الصحيح في إقرار الحق.
وهي تنبع من غرائز فطرية، وتقويها التربية، بالمران والتدريب وخوض المواقف العملية؛ حتى يكتسب الابن هذا الخلق ويصير مركبًا في طبعه، وإلى ذلك أشار الفاروق عمر رضي الله عنه بقوله:(والجرأة والجبن غرائز يضعها الله حيث شاء، فالجبان يفر عن أبيه وأمه، والجريء يقاتل عما لا يؤوب به على رحله، والقتل حتف من الحتوف) [الموطأ، كتاب الجهاد، رقم:35].
ولأن الجبن شر فقد استعاذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني أعود بك من الجبن والبخل) [رواه البخاري]، واعتبره من شر صفات الرجال: (شر ما في الرجل: شح هالع، وجبنٌ خالع.) [صححه الألباني].
ومثل هذا الجبن الذي يخلع القلوب إنما ينشأ من طريقة التربية وآثار البيئة، والأمثال السائرة في المجتمع المحيط بالطفل، ولذلك كان لابد من العناية بغرس الشجاعة في نفوس الأبناء منذ الطفولة، وإنما ينشأ الطفل الشجاع في بيئة شجاعة، وفي أحضان أسرة يتصف أفرادها بالشجاعة في مواجهة المواقف التي تقتضيها، خاصة ممن يمثلون مراكز القدوة بالنسبة لهم.
وإذا غابت قيمة الشجاعة عن ذهن المربي؛ تحل محلهاالتربية على قيم الخوف وإيثار السلامة دائمًا، وبالطبع تفرز طفل ضعيف الشخصية، لا يحسن التعبير عن رأيه، يكون تابعًا وليس رائدًا، يمكن التأثير عليه واستغلاله من أي اتجاهات منحرفة مثل رفقاء السوء، ومن ثم يكون من السهل انحرافه هو نفسه. [هذه أخلاقنا، محمود الخزندار ص(75) بتصرف].
رأس الشجاعة الدفاع عن الدين:
إذا تربى الطفل على أن دينه هو أعز وأغلى ما يملك في هذه الدنيا، فسيكون عند الدفاع عنه وإعلاء كلمته بالغ الشجاعة، عظيم الجرأة، قوي الإقدام، عنأبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقالرسول الله صلى الله عليه وسلم:من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو فيسبيلالله) [متفق عليه].
- ومن الشجاعة: التحكم في النفس عند الغضب!
فليست الحمية وانفلات الغضب من القوة في شيء، كما يظن البعض، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن ضبط النفس والسيطرة على الانفعالات عند الغضب هي من أقوى صور الشجاعة في جانبها المعنوي الذي أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم،حيث بين ذلك في الحديث المشهور عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب) [رواه البخاري].
- ومنها الشجاعة الأدبية:
وتتمثل في تعويد الابن على الجرأة في إبداء الرأي والتعبير عنه، وهذا ما عبر عنه الفاروق تجاه ولده "عبد الله" في هذا الموقف: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال:قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ (َخْبِرُونِي بِشَجَرَةٍ مَثَلُهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلحِينٍ بِإِذْنِ رَبهَا، وَلا تَحُت وَرَقَهَا؟ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنهَاالنخْلَةُ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلمَ وَثَم أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ،فَلَما لَمْ يَتَكَلمَا قَالَ النبِي صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ :هِيَ النخْلَةُ ". فَلَما خَرَجْتُ مَعَ أَبِي قُلْتُ:يَا أَبَتَاهُ! وَقَعَفِي نَفْسِي أَنهَا النخْلَةُ، قَالَ:مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَهَا؟ لَوْكُنْتَ قُلْتَهَا كَانَ أَحَب إِلَي مِنْ كَذَا وَكَذَا، قَالَ:مَامَنَعَنِي إِلا أَني لَمْ أَرَكَ وَلا أَبَا بَكْرٍ تَكَلمْتُمَا، فَكَرِهْتُ) [رواه البخاري].
ومن الشجاعة الأدبية تعويد الطفل على إبداء النصح للآخرين متى رآهم يرتكبون الأخطاء، مع التزام الأدب وحسن الأسلوب مثل ما فعل "الحسن" و"الحسين" الذيْن رأيا شيخا يتوضأ –وكانا غلامين- فلم يريدا جرح مشاعره بأن يقولا له أنه لا يحسن الوضوء، فقالا له: يا عماه لقد اختلفت أنا وأخي فيمن يحسن الوضوء منا فهلا حكمت بيننا؟ وأرياه كيف الوضوء الصحيح.
- ومن الشجاعة الثبات على المبدأ:
من معاني الشجاعة أن يتربى الطفل على أن يكون صاحب مباديء وقيم لا يغيرها أو يبدلها تبعًا لمصلحة زائلة أو هوىً يسيطر عليه، وأن المتلونين من الناس الذين يغيرون مبادئهم كما يغيرون ملابسهم هم قوم مذمومون شرعًا؛ ولذلك فمن أعظم الناس شجاعة الثابتون على قيمهم ومبادئهم عند اضطراب الأمور واختلال الأفكار وتبدل القيم، بل أولئك الذين يثبت اله تعالى بهم الناس في مواطن الفتن. [اللمسة الإنسانية، د.محمد بدري، ص(363)].
- ومن الشجاعة المثابرة لتحقيق الأهداف النبيلة:
لنعلم أبناءنا أن المثابرة من أجل الإنجاز، والتغلب على هاجس الفشل من صميم الشجاعة وتتمثل في بذل المحاولات الجادة لتحقيق الإنجاز، فإذا حاول الطفل ركوب دراجة ذات عجلتين، أو الوثب عاليًا، أو مضاعفة الجهد من أجل رفع درجاته في أحد المقررات الدراسية؛ علينا أن نثني على محاولاته و نطمئنه أن أداءه آخذ فيالتحسن، وأن المؤمن الشجاع يعتمد على ربه ويبذل ما في وسعه من جهد ولا يخشى من الفشل.
عزيزي المربي:
إن لديك الكثير من الوسائل التي تعينك على تنشئة طفل شجاع تفتخر به، مثل:
- سرد قصص الشجعان:
يتعلم الطفل هذه القيمة العظيمة من خلال إثراء وجدانه بقصص الشجعان من الكتاب والسنة، وعبر تاريخ أمتنا العظيمة؛ لأن القصة تساعد الأطفال على إدراك الشجاعة كمفهوم و قيمة سامية و تساعدهم كذلك على الربط بين قيمة الشجاعة التي تتحدث عنها القصص وتطبيقاتها العملية في الواقع الذي يعيشون فيه.
وبإمكان المربي تقديم القصص المصورة والمرئية للأطفال مع تعليقه عليها أثناء مشاهدتها، أو مناقشتهم في أحداثها بعد أن يشاهدوها هم محاولًا بذلك التركيز على مواطن قيمة الشجاعة، ونبل من يتصف بها، وكيف أن الله تعالى يحب الشجاع ويبغض الجبن والجبناء.
- وتأتي في مقدمة تلك القصص (مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث يوليها المربي اهتمامًا خاصًا، فقد كانت التربية على تلك المعاني أصلًا تربويًا لسلفنا الصالح، يروى عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال:(كنا نعلم أولادنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نعلمهم السورة من القرآن).
وكذلك سرد مواقف شجاعة صدرت من أطفال في مثل أعمارهم؛ فاقصص عليهم مثلًا قصة الفتى الشجاع عبد الله بن الزبير رضى الله عنه لما مر الخليفة حاكم المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه بأحد شوارع المدينة ورأي صبيانا يلعبون فهربوا من طريقه ما عدا هذا الغلام فاقترب منه الخليفة.
وقال له :لماذا لم تهرب مثل الغلمان؟ فقال:لم أفعل ذنبا حتى أخاف وأهرب، وليست الطريق ضيقة فأوسعها لك..! فأعجب عمر من هذا الغلام وفرح بأن يكون في صبيان المسلمين مثله.[تربية الأولاد في الإسلام، عبد الله ناصح علوان (1/311)].
- إشراك الطفل – خاصة إذا كان ضعيف البنية الجسمانية- في أحد الأندية الرياضية، ليمارس الرياضة التي تقوي بنية جسمه، ويتعلم أحد ألعاب الدفاع عن النفس، فإن ذلك من شأنه أن يولد في نفسه الشجاعة الكبيرة ويكسبه الثقة بالنفس، فقد يكون النحول الشديد والنحافة أو القصر أحد أسباب تراجع صفة الشجاعة لدى الطفل. [مرشد الآباء والأمهات، محمد سعيد مرسي، ص(99)].
ـ برمجة الطفل على الشجاعة من خلال تكرار ذكرها على مسامعه، وربط قيمة الشجاعة بالمواقف اليومية المختلفة التي تمر بالطفل، مثلًا عندما يصارح الطفل أمه بأنه هو الذي كسر الكوب أثناء محاولته وضعه في المطبخ فيكون الرد من الأم: جزاك الله خيرًا على صدقك، وشجاعتك، فالصدق شجاعة يا بني كما أن الكذب من أخلاق الجبناء)..وهكذا.
وأخيرًا عزيزي المربي..
هناك فرقٌ نفسيٌ كبير بين الشجاع والجبان..كما يخبرنا ابن القيم: (فإن الشجاع منشرح الصدر..والجبان أضيق الناس صدرًا، وأحصرهم قلبًا، لا فرحة له ولا سرور، ولا لذة له ولا نعيم؛ إلا من جنس ما للحيوان البهيمي) [زاد المعاد، ابن القيم، (1/187)].
فلا ترضى لولدك إلا أن يكون أهل الشجاعة والإقدام الذين يبنون مستقبل أمتنا ويعيدون صياغة أمجادها.
المراجع:
- تربية الأولاد في الإسلام، عبد الله ناصح علوان.
- اللمسة الإنسانية، د.محمد بدري.
- مرشد الآباء والأمهات لعلاج أصعب مشكلات الأبناء، محمد سعيد مرسي.
- هذه أخلاقنا، محمود محمد الخزندار.
الكاتب: سحر محمد يسري
المصدر: موقع مفكرة الإسلام